مقدمة عن التركيب الذري..بين أفكار الفلاسفة و تجارب العلماء



هل شاهدت فيلم العنصر الخامس The fifth element ؟ للمثل Bruce Willis..هو فيلم كوميدي خيالي إلى حد كبير ، و يعتمد على فكرة الفيلسوف أرسطو طاليس. فما هي ؟

رؤية أرسطو عن تركيب المادة

يرى أرسطو أن المواد المختلفة تتكون من أربعة عناصر، هي الماء و الهواء و التراب و النار!. و أنه يمكن تحويل أي مادة إلى مادة أخرى..اي يمكن تحويل الرصاص إلى ذهب..و ذلك بتغيير نسب تلك العناصر الأربع!!.

أخطاء واضحة في فكرة أرسطو:

  • لم يعرف أرسطو أن تلك العناصر الأربع ليست عناصر اصلا! ؛ فالماء الذي يطلق عليه اسم عنصر، هو في الحقيقة مركب.
لم يجري أرسطو اي تجارب لإثبات أفكاره..تحويل الرصاص على ذهب مثلاً..و لكن نتيجة شهرة أرسطو كفيلسوف لم يتم التشكيك في هذه الفكرة الساذجة!. بل حاول كثير من المفكرين أن يحولوا المعادن الرخيصة الثمن إلى ذهب!.. و بهذا أضاعت فكرة أرسطو طاليس قروناً طويلة لم يتقدم فيها العلم؛ بل انشغل الناس بالمسيرة نحو تحقيق الوهم!. بالمناسبة، كانت معظم أفكار أرسطو العلمية خاطئة تماماً. و من هذه الأفكار أن الجسم الثقيل الوزن يسقط اسرع من الخفيف..إلى أن أثبت العالم جاليليو ان جميع الأجسام الساقطة سقوطا حرا تصل إلى سطح الأرض في نفس الوقت، حيث تسقط بنفس عجلة الجاذبية الأرضية، بغض النظر عن كتلة تلك الأجسام..بشرط إهمال مقاومة الهواء.
 

الفيلسوف ديمقراطيس Democritus

لو بدأنا بمكعب من الذهب – مثلاً- و قسمناه إلى مكعبين , سيظل كل منهما له نفس خواص الذهب . و لكن ماذا لو قسمناه إلى ملايين المكعبات الصغيرة ؟ لقد حاول الفلاسفة قديماً – مثل Democritus- الإجابة عن هذا السؤال و رفض معظمهم أن تستمر عملية التجزئة هذه إلى ما لا نهاية ! و افترضوا أنها ستقف عندما نصل إلى شئ لا يمكن تجزئته . هذا الشئ اطلقو عليه " الذرة" ( Atom أي :لا ينقسم )..

 الآن لنعرض معلومات مختصرة عن التركيب الذري : 

تتركب جميع المواد – بما في ذلك خلايا جسمك – من جزيئات Molecules ، فقطرة واحدة من الماء، التي يصل قطرها حوالي 5 ملليمتر تحتوي تقريباً على 2000 مليار مليار جزيء!! ، و لتوضيح مدى ضخامة هذا العدد، تأمل ذلك المثال الافتراضي:

اذا أمكن رص كل جزيء من الماء ' يبلغ قطر جزيء الماء حوالي 0.3 نانومتر' في صف واحد، لقطع المسافة من الأرض الى الشمس ذهاباً و إيابا مرتين!.

تتكون هذه الجزيئات من ذرات ؛ فالذرة هي وحدة بناء المادة.

العالم بويل يرفض فكرة أرسطو:

معظمنا يعرف أنه إذا كنت تغوص في الماء، و حان وقت صعودك لسطح الماء، يجب عليك أن تنفخ الهواء لتخرجه تدريجياً من الرئة، و إلا ستنفجر الرئة!

هذا بسبب أن الغازات الموجودة في الرئتين تتبع قانون بويل. حيث يزداد حجم الهواء عند نقص الضغط المؤثر عليه. و هذا ما يحدث في حالة الغواص. فكلما ارتفع نحو سطح الماء كلما قل ضغط الماء على جسده؛ فيتمدد الهواء الموجود بجسمه.

رفض بويل فكرة العناصر الأربعة . و قدم اول تعريف علمي للعنصر: 

العنصر هو مادة نقية تحتوي نوعاً واحداً من الجسيمات 'الذرات'.

وفقاً لتعريف بويل، فإن الماء مركب و ليس عنصراً كما قال أرسطو.

و الآن يعرف طلبة المدارس أن جزيء الماء يتكون من عنصرين: الهيدروجين و الأكسجين. ذرتان من الهيدروجين و ذرة واحدة من الأكسجين، لذلك صيغته الكيميائية هي H2O.

و تتوالى الاكتشافات سريعاً:

إكتشاف الالكترونات:

في عام 1897م، اكتشف عالم الفيزياء البريطاني ج.ج.طومسون جسيمات ذات شحنة سالبة عن طريق تفريغ الهواء الموجود داخل أحد الأنابيب الزجاجية الذي كان متصلا بالكترودين..قطبين.. و قد استعان طومسون بانبوبة أشعة الكاثود Cathode rays tube.

بذلك تكون الالكترونات هي جسيمات دقيقة دون ذرية Subatomic تحمل شحنة سالبة، و تدور حول نواة الذرة الموجبة الشحنة.

و بتجارب مماثلة لتجارب طومسون تم حساب كل من كتلة و شحنة الالكترون:

كتلة الالكترون = 9.1×10౼³¹ كيلو جرام.

شحنة الالكترون=1.6×10౼19 كولوم.

و في عام 1906م، حصل طومسون على جائزة نوبل في الفيزياء عن هذا الاكتشاف العظيم؛ حيث كان معظم الناس يجهلون الاختلافات بين العناصر و لا يعلموا بوجود ما يسمى الذرة!.

رذرفورد : الرجل الذي شطر الذرة

ظهرت أسئلة جديدة بعد اكتشاف طومسون ، و معرفة أن الذرة ليست كرة مصمتة، و إنما تتكون من العديد من الجسيمات الدقيقة التي تتركز داخل نواة الذرة و حولها.

  في عام 1907م، اي بعد عام واحد من حصول طومسون على جائزة نوبل، أسهم أحد تلاميذه ، و هو العالم الشهير إرنست رذرفورد في وضع المفهوم الحديث الذرة. و قد فاز رذرفورد بجائزة نوبل، في الكيمياء، سنة 1908، و حصل أيضا على لقب فارس Knight في المملكة المتحدة ،في نفس العام.

و في عام 1911 قام رذرفورد بوصف نموذج النواة ، اعتماداً على تجاربه التي استخدم فيها عنصر اليورانيوم المشع..كمصدر بقذائف أشعة الفا موجبة الشحنةHe . و قد تنبأ رذرفورد، بعد أن قام بتوجيه قذائف الفا نحو شريحة الذهب، أن مركز الذرة يحتوي على جسيمات دقيقة موجبة الشحنة، اصغر بكثير من الذرة نفسها!. و أثبتت تجاربه مع تلميذه هانز جيجر، بالطبع سمعتم عن عداد جيجر لرصد الإشعاع ، أن ما يزيد على 99% من أشعة الفا تخترق شريحة الذهب بسهولة ، و أن نسبة قليلة للغاية ترتد بشدة إلى الخلف ؛ نتيجة اصطدامها بنواة ذرة الذهب، موجبة الشحنة.

أثبتت الأبحاث بعد ذلك أنه حين تصطدم الجسيمات المتسارعة بالكترونات ذرة الذهب في وجود الغاز، ينتج عن ذلك انفصال أحد البروتونات عن النواة؛ لذلك يعرف رذرفورد بأنه اول من شطر الذرة!.


البروتونات Protons:

البروتونات جسيمات دون ذرية، لها شحنة موجبة ، و كتلة البروتون الواحد تساوي مجموع كتل 1836 إلكترون معا!. نعم البروتون ثقيل للغاية.

النيوترونات Neutrons

النيوترونات هي جسيمات دون ذرية لها كتلة تساوي تقريباً كتلة البروتونات، لكن النيوترونات لا تحمل أي شحنة كهربائية..اي انها متعادلة الشحنة.

ملحوظة: تم اكتشاف وجود النيوترونات بواسطة العالم تشادويك، و حصل، طبعاً، على جائزة نوبل. 

ملخص ما سبق:

الذرة تتكون من: إلكترونات سالبة الشحنة الكهربية تدور حول نواة موجبة الشحنة و تتألف النواة من :بروتونات موجبة الشحنة الكهربية (عدد هذه البروتونات داخل النواة يسمى بالعدد الذري ( Atomic Number) فمثلا ذرة الصوديوم Na تحتوي نواتها على 11 بروتون ؛ لذا فعددها الذري = 11) ,و نيوترونات متعادلة الشحنة الكهربية ( و مجموع البروتونات و النيوترونات داخل النواة يسمى بالعدد الكتلي ( Mass Number) فذرة الصوديوم بها 12 نيوترون ؛ لذا : عددها الكتلي = 11 +12 = 23.

هناك تعليقان (2):

  1. عفوًا, ولكن الفرضيات التي تتدعي بأنّ حركة الإلكترونات حول النواة هي حركة دائرية منتظمة مثل النمزذج الذري الكوكبي تبطلها ميكانيكا الكم التي تفرض مفهوم السحابة الإلكترونية و المدارات الذرية وأنّ الإلكترونات حركتها حول النواة عشوائية وليست دائرية .

    شكرًا لك, مدونة جميلة .

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً على تعليقك
      احببت أن أعطي في البداية نظرة كلاسيكية على المفهوم الذري...اما ميكانيكا الكم فهذا موضوع متقدم و من الصعب مناقشته الآن.. شكراً لك على تعليقك الكريم

      حذف