كثيرة هي النعم التي نعيشها دون أن نفكر فيها .... و الضوء واحد من تلك المسميات التي ننعم بها دون أن نسأل :
ما هو الضوء ؟!
حاول الإجابة عن هذا السؤال العالم المشهور " إسحاق نيوتن " ( 1624 - 1727 ) , فأجرى في عام 1666 أول تجربة علمية لمعرفة ماهية الضوء . و كانت التجربة ببساطة عبارة عن تمرير حزمة أشعة الشمس خلال منشور زجاجي . و لدهشة " نيوتن " فإن الضوء الخارج من المنشور لم يكن إلا مجموعة زاهية من الألوان , هي الأحمر و البرتقالي و الأصفر و الأخضر و الأزرق و النيلي و البنفسجي
و الواضح من هذه التجربة أن الضوء الأبيض مكون في الحقيقة من مجموعة من الألوان , أطلق عليها ألوان الطيف
" spectrum " . و لكن التجربة و نتائجها لا تكفيان للإجابة عن السؤال :
ما هو الضوء ؟
لذلك افترض نيوتن أن الضوء مكون من جسيمات دقيقة , تنتقل في خطوط مستقيمة !
و في عام 1675 , تقدم عالم الفيزياء الهولندي " كريستيان هيجنز " 1629 - 1693 بتفسير جديد للضوء ,
فقال إن الضوء مكون من موجات و إن موجات الضوء لها أطوال موجية مختلفة , بدليل تفرقها إلى مجموعة من الألوان
عند تمريرها خلال منشور زجاجي - كما في تجربة إسحاق نيوتن - . لكن هذا الافتراض لا يفسر لماذا ينتقل الضوء في
خطوط مستقيمة , و لا يبين كيف يمكن لموجات الضوء أن تنتشر من الشمس إلى الأرض عبر الفراغ
و بقيت محاولات تفسير الضوء مجرد افتراضيات , إلى عام 1801 , حين أجري الفيزيائي البريطاني توماس يونج 1773-1892
تجربة بسيطة قام خلالها بتمرير شعاع ضيق من الضوء عبر حاجزين تفصلهما مسافة صغيرة و في كل حاجز ثقب صغير بحيث يمر
الضوء من الثقوب إلى شاشة خلف الحاجزين .
و في هذه التجربة البسيطة فإن الضوء الساقط على الشاشة كان أبيض تارة وخافتاً تارة أخرى و هكذا بالتناوب
و لا يمكن حدوث هذه الظاهرة إلا إذا كان الضوء فعلاً ينتقل على هيئة موجات و يكون التفسير في هذه الحالة
أن الموجات التي تتفق أطوالها الموجية يعزز بعضها بعضا ويؤدي ذلك إلى ضوء ناصع ؛ تماما كما تلحق إحدى موجات البحر
بموجة أخرى فتعززها إذ تمتزج بها و تصبح الموجتان معا موجة واحدة أقوى !!
أما إذا اختلفت الأطوال الموجية لأشعة الضوء بحيث يتضارب بعضها مع بعض فإن ذلك يؤدي إلى ضوء خافت باهت ,
تماما كما تلتقي موجة من البحر مع موجة مرتدة عن الشاطئ فتضعف إحداهما الأخرى !
و على ذلك يكون الإنجليزي توماس يونج تمكن من إثبات أن الضوء ينتشر على هيئة موجات في خطوط مستقيمة .
و قد قام يونج بحساب الأطوال الموجية للضوء فوجدها تتراوح بين 750 نانومتر للأشعة الحمراء و 390 نانومتر للأشعة البنفسجية
و النانومتر Nanometer وحدة لقياس الأطوال المتناهية في الصغر و هي تساوي جزءا من ألف مليون جزء ينقسم إليها المتر الواحد
و تكتب اختصارا بالحرفين نم nm
و أطوال موجات الضوء ثابتة لا تتغير و قصر أطوال موجات الضوء هو السبب في أن الضوء ينتقل في خطوط مستقيمة .
و جدير بالذكر أن موجة الضوء تسمى موجة عرضية أو مستعرضة Transverse Wave
إذ تتذبذب يمينا و يسارا بزاوية قائمة بينما تمضي إلى الأمام
و في عام 1845 اكتشف عالم الكيمياء و الفيزياء الانجليزي مايكل فاراداي 1791 - 1867 أن الضوء هو الجزء من المجال الكهرومغناطيسي الذي يمكن
رؤيته .
و المجال الكهرومغناطيسي Electromagnetic Spectrum مكون من موجات أطولها موجات الراديو و أقصرها أشعة جاما وبين هذه و تلك تقع موجات الضوء .
ثم أكدت التجارب و الأبحاث التي أجراها عالم الفيزياء الأسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل 1831- 1879
الموجات الكهرومغناطيسية |
,و سرعة الضوء هائلة إذ ينتشر الضوء بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة تقريباً و هذا هو السبب في أن الظلام يسود فورا حالما تطفئ مصباحا في مكان مغلق و العكس صحيح
و من خصائص الضوء العجيبة أن سرعتة ثابتة بغض النظر عن حركة الناظر إليه فإذا كنت مسافرا في سيارة أثناء الليل و كانت هناك سيارة أخرى قادمة نحوك على الطريق فالمفروض أن تكون سرعة ضوء السيارة القادمة نحوك هي مجموع سرعة سيارتك و سرعة السيارة الأخرى و لكن الحقيقة أن سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن سرعة سيارتك و سرعة السيارة الأخرى
و على الرغم من اكتشاف هذه الخصائص الكثيرة للضوء فإن الضوء في حد ذاته بقي غير معروف و بقي السؤال : ما هو الضوء ؟ !َ بغير جواب
إلى أن لوحظ أن الضوء إذا سقط على معدن فإنه يؤدي إلى سخونة سطحه و معنى ذلك أن الضوء طاقة و أن انتقال طاقة الضوء إلى المعدن هو الذي يؤدي إلى سخونة المعدن
صاحب تلك الملاحظة هو العالم المشهور ألبرت أينشتاين 1879 - 1955 و هو الذي أجاب عن السؤال : ما هو الضوء ؟ بأن الضوء وحدات من الطاقة و على هذه الوحدات أطلق اسم فوتونات Photons و بسبب هذه التفسير استحق أينشتاين جائزة نوبل في الفيزياء
و الطريف أن ملاحظة أينشتاين التي أدت إلى اكتشاف ماهية الضوء تشبه تماماً ملاحظة نيوتن التي أدت إلى اكتشاف قانون الجاذبية .
من مجموع ما تقدم فإن الضوء يمكن تعريفه كما يلي :
الضوء وحدات من الطاقة ذات أطوال موجات قصيرة تنتشر في خطوط مستقيمة بسرعة ثابتة مقدارها 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة تقريباً و هو الجزء المرئي من المجال الكهرومغناطيسي .
شكرا جزيلا
ردحذفجزاك الله خيرًا
حذف